ملكة اليمن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

باب شروط الصلاة

اذهب الى الأسفل

 باب شروط الصلاة Empty باب شروط الصلاة

مُساهمة  ملكة اليمن الأربعاء ديسمبر 15, 2010 9:01 am

قال رحمه الله ‏:‏
فصـــل
وأما إذا ابتدؤوا الصلاة بالمواقيت، ففقهاء الحديث قد استعملوا في هذا الباب جميع النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات الجواز‏.‏ وأوقات الاختيار‏.‏
فوقت الفجر‏:‏ ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ووقت الظهر‏:‏ من الزوال إلى مصيـر ظل كل شىء مثله سوى فىء الزوال، ووقت العصر‏:‏ إلى اصفرار الشمس ـ على ظاهر مذهب أحمد ـ ووقت المغرب‏:‏ إلى مغيب الشفق، ووقت العشاء‏:‏ إلى منتصف الليل ـ على ظاهر مذهب أحمد‏.‏
وهذا ـ بعينه ـ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو‏.‏ وروى ـ أيضًا ـ من حديث أبي هريرة ـ رضى الله عنه‏.‏ وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث من قوله في المواقيت الخمس أصح منه، وكذلك صح معناه من غير وجه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، من حديث أبي موسى وبريدة ـ رضى الله عنهما‏.‏ وجاء مفرقًا في عدة أحاديث، وغالب الفقهاء إنما استعملوا غالب ذلك‏.‏
فأهل العراق، المشهور عنهم أن العصر لا يدخل وقتها حتى يصير ظل كل شىء مثليه‏.‏ وأهل الحجاز ـ مالك وغيره ـ‏:‏ ليس للمغرب عندهم إلا وقت واحد‏.‏
فصـــل
وكذلك نقول بما جاءت به السنة والآثار من الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض، كما في حديث المستحاضة، وغير ذلك من الأعذار‏.‏
ونقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار من أن الوقت وقتان‏:‏ وقت اختيار، وهو خمس مواقيت‏.‏ ووقت اضطرار، وهو ثلاث مواقيت‏.‏ ولهذا أمرت الصحابة ـ كعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وغيرهما ـ الحائض إذا طهرت قبل الغروب أن تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل الفجر أن تصلي المغرب والعشاء‏.‏ وأحمد موافق في هذه المسائل لمالك ـ رحمه الله‏.‏ وزائد عليه بما جاءت به الآثار‏.‏ والشافعي ـ رحمه الله ـ هو دون مالك في ذلك، وأبو حنيفة أصله في الجمع معروف‏.‏
وكذلك أوقات الاستحباب، فإن أهل الحديث يستحبون الصلاة في أول الوقت في الجملة، إلا حيث يكون في التأخير مصلحة راجحة كما جاءت به السنة، فيستحبون تأخير الظهر في الحر مطلقًا، سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين، ويستحبون تأخير العشاء ما لم يشق‏.‏
وبكل ذلك جاءت السنن الصحيحة التي لا دافع لها‏.‏ وكل من الفقهاء يوافقهم في البعض أو الأغلب‏.‏
فأبو حنيفة‏:‏ يستحب التأخير إلا في المغرب، والشافعي‏:‏ يستحب التقديم مطلقًا حتى في العشاء ـ على أحد القولين ـ وحتى في الحر، إذا كانوا مجتمعين، وحديث أبي ذر الصحيح فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالإبراد، وكانوا مجتمعين‏.
وقال شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه‏:‏
فصـــل
قاعدة في أعداد ركعات الصلوات وأوقاتها
وما يدخل في ذلك من جمع وقصر
جرت عادة كثير من العلماء المصنفين للعلم أن يذكروا في ‏[‏باب مواقيت الصلاة‏]‏‏:‏ أوقاتها وأعدادها وأسماءها، ثم منهم من يذكر القصر والجمع في بابين مفترقين مع صلاة أهل الأعذار كالمريض، والخائف‏.‏
ومنهم من يذكر الجمع في المواقيت‏.‏ وأما القصر فيفرده‏.‏ فإن سبب القصر هو السفر وحده، فقران صلاة المسافر بصلاة الخائف والمريض مناسب‏.‏
وأما الجمع‏:‏ فأسبابه متعددة؛ لاختصاص السفر به‏.‏ ونحن نذكر في كل منهما فصلاً جامعًا‏.‏
أما العدد‏:‏ فمعلوم أنها خمس صلوات‏:‏ ثلاث رباعية، وواحدة ثلاثية وواحدة ثنائية، هذا في الحضر‏.‏ وأما في السفر، فقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبًا من ثلاثين سَفْرة، وكان يصلي ركعتين في أسفاره، ولم ينقل عنه أحد من أهل العلم أنه صلى في السفر الفرض أربعًا قط، حتى في حجة الوداع، وهي آخر أسفاره، كان يصلي بالمسلمين بمنى الصلوات‏:‏ ركعتين، ركعتين‏.‏ وهذا من العلم العام المستفيض المتواتر الذي اتفق على نقله عنه جميع أصحابه، ومن أخذ العلم عنهم‏.‏
والحديث الذي رواه الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر وتُتم ويُفطر، وتَصوم‏.‏ باطل في الإتمام‏.‏ وإن كان صحيحًا‏.‏ في الإفطار، بخلاف النقل المتواتر المستفيض‏.‏ ولم يذكر هذا بعد قط‏.‏
وكيف يكون والنبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إنما كان يصلي الفرض إماما، لكن مرة في غزوة تبوك احتبس للطهارة ساعة فقدموا عبد الرحمن بن عوف، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم خلفه بعض الصلاة، فلو صلى بهم أربعًا في السفر، لكان هذا من أوكد ما تتوفر هممهم ودواعيهم على نقله؛ لمخالفته سنته المستمرة، وعادته الدائمة كما نقلوا أنه جمع بين الصلاتين أحيانًا‏.‏ فلما لم ينقل ذلك أحد منهم علم قطعًا أنه لم يفعل ذلك‏.‏
ولهذا قال ابن عمر‏:‏ صلاة السفر ركعتان، من خالف السنة كفر‏:‏ أي من اعتقد أن صلاة ركعتين ليس بمسنون، ولا مشروع، فقد كفر‏.‏
وكذلك قال عمر بن الخطاب‏:‏ صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم‏.‏
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ‏:‏ الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر‏.‏ قال الزهري‏:‏ فقلت لعروة‏:‏ فما بال عائشة تتم‏؟‏ قال‏:‏ تأولت، كما تأول عثمان‏.‏ أخرجاه في الصحيحين ‏.‏
وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة‏)‏‏.‏ هذا، ولما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، كان يقصر الصلاة في مقامه بمكة، والمشاعر، مع أنه دخل مكة يوم الأحد، وخرج منها يوم الخميس إلى منى، وعرف يوم الجمعة وأقام بمنى إلى عشية الثلاثاء، وبات بالمحصب ليلة الأربعاء، وطاف للوداع تلك الليلة‏.‏ وقام ـ أيضًا ـ قبل ذلك في غزوة الفتح بمكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة‏.‏
وأما الحديث الذي يروى عن عائشة‏:‏ أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت‏:‏ يا رسول الله بأبى وأمى قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أحسنت يا عائشة‏)‏‏!‏ وما عاب علي‏.‏ رواه النسائي‏.‏ وروى الدارقطني‏:‏ خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت‏.‏ وقال‏:‏ إسناده حسن‏.‏ فهذا لو صح، لم يكن فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم، وإنما فيه إذنه في الإتمام، مع أن هذا الحديث على هذا الوجه ليس بصحيح، بل هو خطأ لوجوه‏:‏
أحدها‏:‏ أن الذي في الصحيحين عن عائشة‏:‏ أن صلاة السفر ركعتان‏.‏ وقد ذكر ابن أخيها ـ وهو أعلم الناس بها ـ‏:‏ أنها إنما أتمت الصلاة في السفر بتأويل تأولته، لا بنص كان معها‏.‏ فعلم أنه لم يكن معها فيه نص‏.‏
الثانى‏:‏ أن في الحديث‏:‏ أنها خرجت معتمرة معه في رمضان عمرة رمضان، وكانت صائمة‏.‏ وهذا كذب باتفاق أهل العلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط، وإنما كانت عُمَره كلها في شوال، وإذا كان لم يعتمر في رمضان، ولم يكن في عمره عليه صوم، بطل هذا الحديث‏.‏
الثالث‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سافر في رمضان في غزوة بدر، وغزوة الفتح‏.‏ فأما غزوة بدر، فلم يكن معه فيها أزواجه، ولا كانت عائشة‏.‏ وأما غزوة الفتح، فقد كان صام فيها في أول سفره، ثم أفطر، خلاف ما في هذا الحديث المفتعل‏.‏
الرابع‏:‏ أن اعتمار عائشة معه فيه نظر‏.‏
الخامس‏:‏ أن عائشة لم تكن بالتي تصوم وتصلى طول سفرها إلى مكة، وتخالف فعله بغير إذنه، بل كانت تستفتيه قبل الفعل، فإن الإقدام على مثل ذلك لا يجوز‏.‏
فثبت بهذه السنة المتواترة أن صلاة السفر ركعتان، كما أن صلاة الحضر أربع، فإن عدد الركعات إنما أخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي سنه لأمته، وبطل قول من يقول من أصحاب أحمد والشافعي‏:‏ إن الأصل أربع، وإنما الركعتان رخصة‏.‏
وبنوا على هذا‏:‏ أن القاصر يحتاج إلى نية القصر في أول الصلاة كما قاله الشافعي، وهو قول الخرقى، والقاضى، وغيرهما، بل الصواب ما قاله جمهور أهل العلم، وهو اختيار أبي بكر وغيره‏:‏ أن القصر لا يحتاج إلى نية، بل دخول المسافر في صلاته كدخول الحاضر، بل لونوى المسافر أن يصلي أربعًا لكره له ذلك، وكانت السنة أن يصلي ركعتين، ونصوص الإمام أحمد إنما تدل على هذا القول‏.‏
وقد تنازع أهل العلم في التربيع في السفر‏:‏ هل هو محرم‏؟‏ أو مكروه‏؟‏ أو ترك الأفضل‏؟‏ أو هو أفضل‏؟‏ على أربعة أقوال‏:‏
فالأول‏:‏ قول أبى حنيفة، ورواية عن مالك‏.‏
والثانى‏:‏ رواية عنه، وعن أحمد‏.‏
والثالث‏:‏ رواية عن أحمد، وأصح قولى الشافعي‏.‏
والرابع‏:‏ قول له‏.‏ و‏]‏الرابع‏[‏ خطأ قطعًا، لا ريب فيه‏.‏ والثالث ضعيف، وإنما المتوجه أن يكون التربيع إما محرم أو مكروه؛ لأن طائفة من الصحابة كانوا يربعون، وكان الآخرون لا ينكرونه عليهم إنكار من فعل المحرم، بل إنكار من فعل المكروه‏.‏
وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 101‏]‏، فهنا علق القصر بسببين‏:‏ الضرب في الأرض، والخوف من فتنة الذين كفروا؛ لأن القصر المطلق يتناول قصر عددها، وقصر عملها، وأركانها‏.‏ مثل الإيماء بالركوع والسجود، فهذا القصر إنما شرع بالسببين كلاهما، كل سبب له قصر‏.‏ فالسفر يقتضي قصر العدد، والخوف يقتضي قصر الأركان‏.‏
ولو قيل‏:‏ إن القصر المعلق هو قصر الأركان، فإن صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر، لكان وجيهًا‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 103‏]‏‏.‏
فقد ظهر بهذا أن القصر لا يسوي بالجمع، فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرعته لأمته، بل الإتمام في السفر أضعف من الجمع في السفر‏.‏ فإن الجمع قد ثبت عنه أنه كان يفعله في السفر أحيانًا وأما الإتمام فيه، فلم ينقل عنه قط، وكلاهما مختلف فيه بين الأمة، فإنهم مختلفون في جواز الإتمام، وفي جواز الجمع، متفقون على جواز القصر وجواز الإفراد‏.‏ فلا يشبه بالسنة المتواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه في أسفاره، وقد اتفقت الأمة عليه، إلى أن ما فعله في سفره مرات متعددة،وقد تنازعت فيه الأمة‏.‏
فصـــل
وأما الوقت‏:‏ فالأصل في ذلك أن الوقت في كتاب الله وسنة رسول الله نوعان‏:‏ وقت اختيار ورفاهية، ووقت حاجة وضرورة‏.‏
أما الأول، فالأوقات خمسة‏.‏
وأما الثانى، فالأوقات ثلاثة، فصلاتا الليل، وصلاتا النهار، وهما اللتان فيهما الجمع والقصر، بخلاف صلاة الفجر فإنه ليس فيها جمع ولا قصر، لكل منهما وقت مختص، وقت الرفاهية والاختيار، والوقت مشترك بينهما عند الحاجة والاضطرار، لكن لا تؤخر صلاة نهار إلى ليل، ولا صلاة ليل إلى نهار‏.‏
ولهذا وقع الأمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى صلاة العصر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها‏:‏ ‏(‏من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏فكأنما وَتِرَ أهله وماله‏)‏‏.‏ وقد دل على هذا الأصل أن الله في كتابه ذكر الوقوت تارة ثلاثة، وتارة خمسة‏.‏
أما الثلاثة، ففى قوله‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 114‏]‏، وفى قوله‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 78‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ‏.‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 48، 49‏[‏ أما الخمس فقد ذكرها أربعة‏:‏ في قوله‏:‏ ‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ‏.‏ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 17، 18‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 130‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ‏.‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏39، 40‏]‏، والسنة هي التي فسرت ذلك وبينته وأحكمته‏.‏
وذلك أنه قد ثبت بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يصلي الصلوات الخمس في خمس مواقيت‏:‏ في حال مقامه بالمدينة، وفى غالب أسفاره حتى أنه في حجة الوداع ـ آخر أسفاره ـ كان يصلي كل صلاة في وقتها ركعتين، وإنما جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين العشائين بمزدلفة ؛ ولهذا قال ابن مسعود‏:‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها، إلا المغرب ليلة جمع، والفجر بمزدلفة‏.‏ وإنما قال ذلك لأنه غلس بها تغليسًا شديدًا، وقد بين جابر في حديثه أنه صلاها حين طلع الفجر‏.‏
ولهذا اتفق المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة؛ لأن جمع هاتين الصلاتين في حجة الوداع دون غيرهما، مما صلاه بالمسلمين بمنى أو بمكة هو من المنقول نقلاً عامًا متواترًا مستفيضًا‏.‏
وثبت عنه أنه بين مواقيت الصلاة بفعله لمن سأله عن المواقيت بالمدينة، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى موسى، وحديث بريدة بن الحصيب، وبين له جبريل المواقيت بمكة، كما رواه جابر، وابن عباس‏.‏ وروى مسلم في صحيحه المواقيت من كلام النبيصلى الله عليه وسلم، من حديث عبد الله بن عمر، وهو أحسن أحاديث المواقيت؛ لأنه بيان بكلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏
‏(‏وقت الفجر ما لم تطلع الشمس، ووقت الظهر ما لم يصر ظل كل شىء مثله، ووقت العصر ما لم تصفَرَّ الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل‏)‏‏.‏ وقد روى نحو ذلك من حديث أبى هريرة مرفوعًا، وفيه نظر‏.‏ وعلى هذه الأحاديث اعتمد الإمام أحمد لكثرة اطلاعه على السنن‏.‏ وأما غيره من الأئمة، فبلغه بعض هذه الأحاديث دون بعض، فاتبع ما بلغه، ومن اتبع ما بلغه فقد أحسن، وما على المحسنين من سبيل‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم في غير حديث‏:‏ ‏(‏سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة‏)‏‏.‏ فهذا دليل على أنه لا يجوز تأخير الأولى إلى وقت الثانية ولا يجوز الجمع لغير حاجة، فإن الأمراء لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل، ولا صلاة الليل إلى النهار، ولكن غايتهم أن يؤخروا الظهر إلى وقت العصر إلى الاصفرار، أو يؤخروا المغرب إلى مغيب الشفق‏.‏ وأما العشاء، فلو أخروها إلى نصف الليل لم يكن ذلك مكروهًا‏.‏ وتأخيرها إلى ما بعد ذلك لم يكن يفعله أحد، ولا هو مما يفعله الأمراء‏.‏
وأما الثلاث، فقد ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة من حديث ابن عمر وأنس بن مالك ومعاذ بن جبل‏:‏ أنه كان يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، يجمع في وقت الثانية إذا جد به السير في وقت الأولى، أو إذا كان سائرًا في وقتها‏.‏ وهذا مما اتفق عليه القائلون بالجمع بين الصلاتين من فقهاء الحديث، وأهل الحجاز‏.‏ وكذلك ما روى عنه‏:‏ ‏(‏أنه كان في غزوة تبوك إذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا‏)‏ رواه أهل السنن من حديث معاذ‏.‏ ورواه مسلم في صحيحه عن معاذ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر‏.‏ وبين المغرب والعشاء‏)‏‏.‏ وإنما تنازعوا فيما إذا كان نازلاً في وقت الصلاتين كلاهما، وفيه روايتان عن أحمد‏:‏
إحداهما‏:‏ لا يجمع لعدم السنة، والحاجة، وهو قول مالك، واختيار الخرقي‏.‏
الثانية‏:‏ يجمع، وهو قول الشافعي؛ لحديث روي في ذلك ـ أيضًا ـ رواه أبو داود‏.‏ وذكر ابن عبد البر أنه لم يرو غيره، وثبت عنه ـ أيضًا ـ بالأحاديث الصحيحة وبالاتفاق‏:‏ ‏(‏أنه جمع في حجة الوداع بعرفة بين صلاتي العشي، وبمزدلفة بين صلاتي العشائين‏)‏، وثبت عنه في الصحيحين من حديث ابن عباس‏:‏ أنه صلى بالمدينة سبعًا، وثمانياً‏:‏ الظهر والعصر والمغرب والعشاء‏.‏ وفى صحيح مسلم عنه‏:‏ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر‏.‏ قيل لابن عباس‏:‏ ما أراد بذلك‏؟‏ قال‏:‏ أراد ألا يحرج أمته‏

قال ـ رحمه الله ‏:‏
فصـــل
وأما إذا ابتدؤوا الصلاة بالمواقيت، ففقهاء الحديث قد استعملوا في هذا الباب جميع النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات الجواز‏.‏ وأوقات الاختيار‏.‏
فوقت الفجر‏:‏ ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ووقت الظهر‏:‏ من الزوال إلى مصيـر ظل كل شىء مثله سوى فىء الزوال، ووقت العصر‏:‏ إلى اصفرار الشمس ـ على ظاهر مذهب أحمد ـ ووقت المغرب‏:‏ إلى مغيب الشفق، ووقت العشاء‏:‏ إلى منتصف الليل ـ على ظاهر مذهب أحمد‏.‏
وهذا ـ بعينه ـ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو‏.‏ وروى ـ أيضًا ـ من حديث أبي هريرة ـ رضى الله عنه‏.‏ وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث من قوله في المواقيت الخمس أصح منه، وكذلك صح معناه من غير وجه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، من حديث أبي موسى وبريدة ـ رضى الله عنهما‏.‏ وجاء مفرقًا في عدة أحاديث، وغالب الفقهاء إنما استعملوا غالب ذلك‏.‏
فأهل العراق، المشهور عنهم أن العصر لا يدخل وقتها حتى يصير ظل كل شىء مثليه‏.‏ وأهل الحجاز ـ مالك وغيره ـ‏:‏ ليس للمغرب عندهم إلا وقت واحد‏.‏
فصـــل
وكذلك نقول بما جاءت به السنة والآثار من الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض، كما في حديث المستحاضة، وغير ذلك من الأعذار‏.‏
ونقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار من أن الوقت وقتان‏:‏ وقت اختيار، وهو خمس مواقيت‏.‏ ووقت اضطرار، وهو ثلاث مواقيت‏.‏ ولهذا أمرت الصحابة ـ كعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وغيرهما ـ الحائض إذا طهرت قبل الغروب أن تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل الفجر أن تصلي المغرب والعشاء‏.‏ وأحمد موافق في هذه المسائل لمالك ـ رحمه الله‏.‏ وزائد عليه بما جاءت به الآثار‏.‏ والشافعي ـ رحمه الله ـ هو دون مالك في ذلك، وأبو حنيفة أصله في الجمع معروف‏.‏
وكذلك أوقات الاستحباب، فإن أهل الحديث يستحبون الصلاة في أول الوقت في الجملة، إلا حيث يكون في التأخير مصلحة راجحة كما جاءت به السنة، فيستحبون تأخير الظهر في الحر مطلقًا، سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين، ويستحبون تأخير العشاء ما لم يشق‏.‏
وبكل ذلك جاءت السنن الصحيحة التي لا دافع لها‏.‏ وكل من الفقهاء يوافقهم في البعض أو الأغلب‏.‏
فأبو حنيفة‏:‏ يستحب التأخير إلا في المغرب، والشافعي‏:‏ يستحب التقديم مطلقًا حتى في العشاء ـ على أحد القولين ـ وحتى في الحر، إذا كانوا مجتمعين، وحديث أبي ذر الصحيح فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالإبراد، وكانوا مجتمعين‏.
وقال شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه‏:‏
فصـــل
قاعدة في أعداد ركعات الصلوات وأوقاتها
وما يدخل في ذلك من جمع وقصر
جرت عادة كثير من العلماء المصنفين للعلم أن يذكروا في ‏[‏باب مواقيت الصلاة‏]‏‏:‏ أوقاتها وأعدادها وأسماءها، ثم منهم من يذكر القصر والجمع في بابين مفترقين مع صلاة أهل الأعذار كالمريض، والخائف‏.‏
ومنهم من يذكر الجمع في المواقيت‏.‏ وأما القصر فيفرده‏.‏ فإن سبب القصر هو السفر وحده، فقران صلاة المسافر بصلاة الخائف والمريض مناسب‏.‏
وأما الجمع‏:‏ فأسبابه متعددة؛ لاختصاص السفر به‏.‏ ونحن نذكر في كل منهما فصلاً جامعًا‏.‏
أما العدد‏:‏ فمعلوم أنها خمس صلوات‏:‏ ثلاث رباعية، وواحدة ثلاثية وواحدة ثنائية، هذا في الحضر‏.‏ وأما في السفر، فقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبًا من ثلاثين سَفْرة، وكان يصلي ركعتين في أسفاره، ولم ينقل عنه أحد من أهل العلم أنه صلى في السفر الفرض أربعًا قط، حتى في حجة الوداع، وهي آخر أسفاره، كان يصلي بالمسلمين بمنى الصلوات‏:‏ ركعتين، ركعتين‏.‏ وهذا من العلم العام المستفيض المتواتر الذي اتفق على نقله عنه جميع أصحابه، ومن أخذ العلم عنهم‏.‏
والحديث الذي رواه الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر وتُتم ويُفطر، وتَصوم‏.‏ باطل في الإتمام‏.‏ وإن كان صحيحًا‏.‏ في الإفطار، بخلاف النقل المتواتر المستفيض‏.‏ ولم يذكر هذا بعد قط‏.‏
وكيف يكون والنبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إنما كان يصلي الفرض إماما، لكن مرة في غزوة تبوك احتبس للطهارة ساعة فقدموا عبد الرحمن بن عوف، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم خلفه بعض الصلاة، فلو صلى بهم أربعًا في السفر، لكان هذا من أوكد ما تتوفر هممهم ودواعيهم على نقله؛ لمخالفته سنته المستمرة، وعادته الدائمة كما نقلوا أنه جمع بين الصلاتين أحيانًا‏.‏ فلما لم ينقل ذلك أحد منهم علم قطعًا أنه لم يفعل ذلك‏.‏
ولهذا قال ابن عمر‏:‏ صلاة السفر ركعتان، من خالف السنة كفر‏:‏ أي من اعتقد أن صلاة ركعتين ليس بمسنون، ولا مشروع، فقد كفر‏.‏
وكذلك قال عمر بن الخطاب‏:‏ صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم‏.‏
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ‏:‏ الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر‏.‏ قال الزهري‏:‏ فقلت لعروة‏:‏ فما بال عائشة تتم‏؟‏ قال‏:‏ تأولت، كما تأول عثمان‏.‏ أخرجاه في الصحيحين ‏.‏
وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة‏)‏‏.‏ هذا، ولما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، كان يقصر الصلاة في مقامه بمكة، والمشاعر، مع أنه دخل مكة يوم الأحد، وخرج منها يوم الخميس إلى منى، وعرف يوم الجمعة وأقام بمنى إلى عشية الثلاثاء، وبات بالمحصب ليلة الأربعاء، وطاف للوداع تلك الليلة‏.‏ وقام ـ أيضًا ـ قبل ذلك في غزوة الفتح بمكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة‏.‏
وأما الحديث الذي يروى عن عائشة‏:‏ أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت‏:‏ يا رسول الله بأبى وأمى قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أحسنت يا عائشة‏)‏‏!‏ وما عاب علي‏.‏ رواه النسائي‏.‏ وروى الدارقطني‏:‏ خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت‏.‏ وقال‏:‏ إسناده حسن‏.‏ فهذا لو صح، لم يكن فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم، وإنما فيه إذنه في الإتمام، مع أن هذا الحديث على هذا الوجه ليس بصحيح، بل هو خطأ لوجوه‏:‏
أحدها‏:‏ أن الذي في الصحيحين عن عائشة‏:‏ أن صلاة السفر ركعتان‏.‏ وقد ذكر ابن أخيها ـ وهو أعلم الناس بها ـ‏:‏ أنها إنما أتمت الصلاة في السفر بتأويل تأولته، لا بنص كان معها‏.‏ فعلم أنه لم يكن معها فيه نص‏.‏
الثانى‏:‏ أن في الحديث‏:‏ أنها خرجت معتمرة معه في رمضان عمرة رمضان، وكانت صائمة‏.‏ وهذا كذب باتفاق أهل العلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط، وإنما كانت عُمَره كلها في شوال، وإذا كان لم يعتمر في رمضان، ولم يكن في عمره عليه صوم، بطل هذا الحديث‏.‏
الثالث‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سافر في رمضان في غزوة بدر، وغزوة الفتح‏.‏ فأما غزوة بدر، فلم يكن معه فيها أزواجه، ولا كانت عائشة‏.‏ وأما غزوة الفتح، فقد كان صام فيها في أول سفره، ثم أفطر، خلاف ما في هذا الحديث المفتعل‏.‏
الرابع‏:‏ أن اعتمار عائشة معه فيه نظر‏.‏
الخامس‏:‏ أن عائشة لم تكن بالتي تصوم وتصلى طول سفرها إلى مكة، وتخالف فعله بغير إذنه، بل كانت تستفتيه قبل الفعل، فإن الإقدام على مثل ذلك لا يجوز‏.‏
فثبت بهذه السنة المتواترة أن صلاة السفر ركعتان، كما أن صلاة الحضر أربع، فإن عدد الركعات إنما أخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي سنه لأمته، وبطل قول من يقول من أصحاب أحمد والشافعي‏:‏ إن الأصل أربع، وإنما الركعتان رخصة‏.‏
وبنوا على هذا‏:‏ أن القاصر يحتاج إلى نية القصر في أول الصلاة كما قاله الشافعي، وهو قول الخرقى، والقاضى، وغيرهما، بل الصواب ما قاله جمهور أهل العلم، وهو اختيار أبي بكر وغيره‏:‏ أن القصر لا يحتاج إلى نية، بل دخول المسافر في صلاته كدخول الحاضر، بل لونوى المسافر أن يصلي أربعًا لكره له ذلك، وكانت السنة أن يصلي ركعتين، ونصوص الإمام أحمد إنما تدل على هذا القول‏.‏
وقد تنازع أهل العلم في التربيع في السفر‏:‏ هل هو محرم‏؟‏ أو مكروه‏؟‏ أو ترك الأفضل‏؟‏ أو هو أفضل‏؟‏ على أربعة أقوال‏:‏
فالأول‏:‏ قول أبى حنيفة، ورواية عن مالك‏.‏
والثانى‏:‏ رواية عنه، وعن أحمد‏.‏
والثالث‏:‏ رواية عن أحمد، وأصح قولى الشافعي‏.‏
والرابع‏:‏ قول له‏.‏ و‏]‏الرابع‏[‏ خطأ قطعًا، لا ريب فيه‏.‏ والثالث ضعيف، وإنما المتوجه أن يكون التربيع إما محرم أو مكروه؛ لأن طائفة من الصحابة كانوا يربعون، وكان الآخرون لا ينكرونه عليهم إنكار من فعل المحرم، بل إنكار من فعل المكروه‏.‏
وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 101‏]‏، فهنا علق القصر بسببين‏:‏ الضرب في الأرض، والخوف من فتنة الذين كفروا؛ لأن القصر المطلق يتناول قصر عددها، وقصر عملها، وأركانها‏.‏ مثل الإيماء بالركوع والسجود، فهذا القصر إنما شرع بالسببين كلاهما، كل سبب له قصر‏.‏ فالسفر يقتضي قصر العدد، والخوف يقتضي قصر الأركان‏.‏
ولو قيل‏:‏ إن القصر المعلق هو قصر الأركان، فإن صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر، لكان وجيهًا‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 103‏]‏‏.‏
فقد ظهر بهذا أن القصر لا يسوي بالجمع، فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرعته لأمته، بل الإتمام في السفر أضعف من الجمع في السفر‏.‏ فإن الجمع قد ثبت عنه أنه كان يفعله في السفر أحيانًا وأما الإتمام فيه، فلم ينقل عنه قط، وكلاهما مختلف فيه بين الأمة، فإنهم مختلفون في جواز الإتمام، وفي جواز الجمع، متفقون على جواز القصر وجواز الإفراد‏.‏ فلا يشبه بالسنة المتواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه في أسفاره، وقد اتفقت الأمة عليه، إلى أن ما فعله في سفره مرات متعددة،وقد تنازعت فيه الأمة‏.‏
فصـــل
وأما الوقت‏:‏ فالأصل في ذلك أن الوقت في كتاب الله وسنة رسول الله نوعان‏:‏ وقت اختيار ورفاهية، ووقت حاجة وضرورة‏.‏
أما الأول، فالأوقات خمسة‏.‏
وأما الثانى، فالأوقات ثلاثة، فصلاتا الليل، وصلاتا النهار، وهما اللتان فيهما الجمع والقصر، بخلاف صلاة الفجر فإنه ليس فيها جمع ولا قصر، لكل منهما وقت مختص، وقت الرفاهية والاختيار، والوقت مشترك بينهما عند الحاجة والاضطرار، لكن لا تؤخر صلاة نهار إلى ليل، ولا صلاة ليل إلى نهار‏.‏
ولهذا وقع الأمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى صلاة العصر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها‏:‏ ‏(‏من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏فكأنما وَتِرَ أهله وماله‏)‏‏.‏ وقد دل على هذا الأصل أن الله في كتابه ذكر الوقوت تارة ثلاثة، وتارة خمسة‏.‏
أما الثلاثة، ففى قوله‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 114‏]‏، وفى قوله‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 78‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ‏.‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 48، 49‏[‏ أما الخمس فقد ذكرها أربعة‏:‏ في قوله‏:‏ ‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ‏.‏ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 17، 18‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 130‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ‏.‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏39، 40‏]‏، والسنة هي التي فسرت ذلك وبينته وأحكمته‏.‏
وذلك أنه قد ثبت بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يصلي الصلوات الخمس في خمس مواقيت‏:‏ في حال مقامه بالمدينة، وفى غالب أسفاره حتى أنه في حجة الوداع ـ آخر أسفاره ـ كان يصلي كل صلاة في وقتها ركعتين، وإنما جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين العشائين بمزدلفة ؛ ولهذا قال ابن مسعود‏:‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها، إلا المغرب ليلة جمع، والفجر بمزدلفة‏.‏ وإنما قال ذلك لأنه غلس بها تغليسًا شديدًا، وقد بين جابر في حديثه أنه صلاها حين طلع الفجر‏.‏
ولهذا اتفق المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة؛ لأن جمع هاتين الصلاتين في حجة الوداع دون غيرهما، مما صلاه بالمسلمين بمنى أو بمكة هو من المنقول نقلاً عامًا متواترًا مستفيضًا‏.‏
وثبت عنه أنه بين مواقيت الصلاة بفعله لمن سأله عن المواقيت بالمدينة، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى موسى، وحديث بريدة بن الحصيب، وبين له جبريل المواقيت بمكة، كما رواه جابر، وابن عباس‏.‏ وروى مسلم في صحيحه المواقيت من كلام النبيصلى الله عليه وسلم، من حديث عبد الله بن عمر، وهو أحسن أحاديث المواقيت؛ لأنه بيان بكلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏
‏(‏وقت الفجر ما لم تطلع الشمس، ووقت الظهر ما لم يصر ظل كل شىء مثله، ووقت العصر ما لم تصفَرَّ الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل‏)‏‏.‏ وقد روى نحو ذلك من حديث أبى هريرة مرفوعًا، وفيه نظر‏.‏ وعلى هذه الأحاديث اعتمد الإمام أحمد لكثرة اطلاعه على السنن‏.‏ وأما غيره من الأئمة، فبلغه بعض هذه الأحاديث دون بعض، فاتبع ما بلغه، ومن اتبع ما بلغه فقد أحسن، وما على المحسنين من سبيل‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم في غير حديث‏:‏ ‏(‏سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة‏)‏‏.‏ فهذا دليل على أنه لا يجوز تأخير الأولى إلى وقت الثانية ولا يجوز الجمع لغير حاجة، فإن الأمراء لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل، ولا صلاة الليل إلى النهار، ولكن غايتهم أن يؤخروا الظهر إلى وقت العصر إلى الاصفرار، أو يؤخروا المغرب إلى مغيب الشفق‏.‏ وأما العشاء، فلو أخروها إلى نصف الليل لم يكن ذلك مكروهًا‏.‏ وتأخيرها إلى ما بعد ذلك لم يكن يفعله أحد، ولا هو مما يفعله الأمراء‏.‏
وأما الثلاث، فقد ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة من حديث ابن عمر وأنس بن مالك ومعاذ بن جبل‏:‏ أنه كان يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، يجمع في وقت الثانية إذا جد به السير في وقت الأولى، أو إذا كان سائرًا في وقتها‏.‏ وهذا مما اتفق عليه القائلون بالجمع بين الصلاتين من فقهاء الحديث، وأهل الحجاز‏.‏ وكذلك ما روى عنه‏:‏ ‏(‏أنه كان في غزوة تبوك إذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا‏)‏ رواه أهل السنن من حديث معاذ‏.‏ ورواه مسلم في صحيحه عن معاذ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر‏.‏ وبين المغرب والعشاء‏)‏‏.‏ وإنما تنازعوا فيما إذا كان نازلاً في وقت الصلاتين كلاهما، وفيه روايتان عن أحمد‏:‏
إحداهما‏:‏ لا يجمع لعدم السنة، والحاجة، وهو قول مالك، واختيار الخرقي‏.‏
الثانية‏:‏ يجمع، وهو قول الشافعي؛ لحديث روي في ذلك ـ أيضًا ـ رواه أبو داود‏.‏ وذكر ابن عبد البر أنه لم يرو غيره، وثبت عنه ـ أيضًا ـ بالأحاديث الصحيحة وبالاتفاق‏:‏ ‏(‏أنه جمع في حجة الوداع بعرفة بين صلاتي العشي، وبمزدلفة بين صلاتي العشائين‏)‏، وثبت عنه في الصحيحين من حديث ابن عباس‏:‏ أنه صلى بالمدينة سبعًا، وثمانياً‏:‏ الظهر والعصر والمغرب والعشاء‏.‏ وفى صحيح مسلم عنه‏:‏ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر‏.‏ قيل لابن عباس‏:‏ ما أراد بذلك‏؟‏ قال‏:‏ أراد ألا يحرج أمته‏

ملكة اليمن
Admin

المساهمات : 151
تاريخ التسجيل : 22/10/2010

https://maleka-al-yeman.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى