ملكة اليمن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صفة الصلاة

اذهب الى الأسفل

صفة الصلاة Empty صفة الصلاة

مُساهمة  ملكة اليمن الأربعاء ديسمبر 15, 2010 9:09 am

سئل ـ رحمه الله ـ عن رجل مشي إلى صلاة الجمعة مستعجلا، فأنكر ذلك عليه بعض الناس، وقال‏:‏ امش على رسلك‏.‏ فرد ذلك الرجل وقال‏:‏ قد قال تعالي‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 9‏]‏ فما الصواب‏؟‏
فأجاب‏:‏
ليس المراد بالسعي المأمور به العَدْو‏.‏ فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏(‏إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏ وروي‏:‏ ‏(‏فاقضوا‏)‏‏.‏ ولكن قال الأئمة‏:‏ السعي في كتاب الله هو العمل والفعل، كما قال تعالي‏:‏ ‏{‏إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 4‏]‏، وقال تعالي‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏19‏]‏، وقال تعالي‏:‏‏{‏وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 205‏]‏، وقال تعالي‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 33‏]‏، وقال عن فرعون‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 22‏]‏، وقد قرأ عمر بن الخطاب‏:‏‏(‏فامضوا إلى ذكر الله‏)‏ فالسعي المأمور به إلى الجمعة هو المضي إليها، والذهاب إليها‏.‏
ولفظ ‏[‏السعي‏]‏ في الأصل اسم جنس، ومن شأن أهل العرف، إذا كان الاسم عامًا لنوعين، فإنهم يفردون أحد نوعيه باسم، ويبقي الاسم العام مختصًا بالنوع الآخر، كما في لفظ‏:‏ ‏[‏ذوي الأرحام‏]‏ ، فإنه يعم جميع الأقارب‏:‏ من يرث بفرض وتعصيب، ومن لا فرض له ولا تعصيب‏.‏ فلما مُيِّز ذو الفرض والعصبة، صار في عرف الفقهاء ذوو الأرحام مختصًا بمن لا فرض له ولا تعصيب‏.‏
وكذلك لفظ ‏[‏الجائز‏]‏ يعم ما وجب ولزم من الأفعال والعقود، وما لم يلزم‏.‏ فلما خص بعض الأعمال بالوجوب وبعض العقود باللزوم، بقي اسم الجائز في عرفهم مختصًا بالنوع الآخر‏.‏
وكذلك اسم ‏[‏الخمر‏]‏ هو عام لكل شراب، لكن لما أفرد ما يصنع من غير العنب باسم النبيذ، صار اسم الخمر في العرف مختصًا بعصير العنب، حتى ظن طائفة من العلماء أن اسم الخمر في الكتاب والسنة مختص بذلك‏.‏ وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بعمومه، ونظائر هذا كثيرة‏.‏
وبسبب هذا الاشتراك الحادث، غلط كثير من الناس في فهم الخطاب بلفظ السعي من هذا الباب‏.‏ فإنه في الأصل عام في كل ذهاب ومضي، وهو السعي المأمور به في القرآن‏.‏ وقد يخص أحد النوعين باسم المشي، فيبقي لفظ السعي مختصًا بالنوع الآخر، وهذا هو السعي الذي نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون‏)‏‏.‏ وقد روي أن عمر كان يقرأ‏:‏ ‏(‏فامضوا‏)‏ ويقول‏:‏ لو قرأتها فاسعوا لعدوت حتى يكون كذا وهذا ـ إن صح عنه ـ فيكون قد اعتقد أن لفظ السعي هو الخاص‏.‏
ومما يشبه هذا‏:‏ السعي بين الصفا والمروة، فإنه إنما يهرول في بطن الوادي بين الميلين‏.‏ ثم لفظ السعي يخص بهذا‏.‏ وقد يجعل لفظ السعي عامًا لجميع الطواف بين الصفا والمروة، لكن هذا كأنه باعتبار أن بعضه سعي خاص‏.‏ و الله أعلم‏.‏
وَسُئِلَ عن أقوام يبتدرون السواري قبل الناس، وقبل تكميل الصفوف ويتخذون لهم مواضع دون الصف، فهل يجوز التأخر عن الصف الأول‏؟‏
فأجاب‏:‏
قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، كيف تصف الملائكة عند ربها‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يسدون الأول فالأول، ويتراصون في الصف‏)‏‏.‏ وثبت عنه في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه‏)‏‏.‏ وثبت عنه في الصحيح‏:‏ ‏(‏خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها‏)‏‏.‏ وأمثال ذلك من السنن، التي ينبغي فيها للمصلين أن يتموا الصف الأول، ثم الثاني‏.‏
فمن جاء أول الناس، وصف في غير الأول، فقد خالف الشريعة، وإذا ضم إلى ذلك إساءة الصلاة، أو فضول الكلام، أو مكروهه، أو محرمه، ونحو ذلك ـ مما يصان المسجد عنه ـ فقد ترك تعظيم الشرائع، وخرج عن الحدود المشروعة من طاعة الله‏.‏ وإن لم يعتقد نقص ما فعله، ويلتزم اتباع أمر الله، استحق العقوبة البليغة التي تحمله وأمثاله على أداء ما أمر الله به، وترك ما نهي الله عنه‏.‏ و الله أعلم‏.‏
وَسُئِلَ عن المصلين إذا لم يسووا صفوفهم، بل كل إنسان يصلي منفردًا‏؟‏ وهل تجوز صلاتهم هكذا في الأسواق، أم لا‏؟‏
فأجاب‏:‏
ليس لأحد أن يصلي منفردًا خلف الصف، بل على الناس أن يصلوا مصطفين‏.‏ وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا صلاة لفذ خلف الصف‏)‏‏.‏ ولا يصح لهم أن يصلوا في السوق حتى تتصل الصفوف، بل عليهم أن يقاربوا الصفوف، ويسدوا الأول فالأول‏.‏
والله أعلم‏.‏
وَسُئِلَ شيخُ الإسلام أحمد بن تيمية ـ رحمه الله ـ‏:‏ عما يشتبه على الطالب للعبادة من جهة الأفضلية مما اختلف فيه الأئمة من المسائل التي أذكرها وهي‏:‏ أيما أفضل في صلاة الجهر‏:‏ ترك الجهر بالبسملة، أو الجهر بها‏؟‏ وأيما أفضل‏:‏ المداومة على القنوت في صلاة الفجر، أم تركه، أم فعله أحيانا بحسب المصلحة‏؟‏ وكذلك في الوتر‏؟‏ وأيما أفضل‏:‏ طول الصلاة ومناسبة أبعاضها في الكمية والكيفية، أو تخفيفها بحسب ما اعتادوه في هذه الأزمنة‏؟‏ وأيما أفضل مع قصر الصلاة في السفر‏:‏ مداومة الجمع، أم فعله أحيانا بحسب الحاجة‏؟‏ وهل قيام الليل كله بدعة أم سنة، أم قيام بعضه أفضل من قيامه كله‏؟‏ وكذلك سرد الصوم أفضل، أم صوم بعض الأيام وإفطار بعضها‏؟‏ وفي المواصلة ـ أيضا‏؟‏ وهل لبس الخشن وأكله دائما أفضل، أم لا‏؟‏ وأيما أفضل‏:‏ فعل السنن الرواتب في السفر، أم تركها‏؟‏ أم فعل البعض دون البعض‏.‏ وكذلك التطوع بالنوافل في السفر‏؟‏ وأيما أفضل‏:‏ الصوم في السفر أم الفطر‏؟‏ وإذا لم يجد ماء أو تعذر عليه استعماله لمرض، أو يخاف منه الضرر من شدة البرد، وأمثال ذلك، فهل يتيمم أم لا‏؟‏ وهل يقوم التيمم مقام الوضوء فيما ذكر أم لا‏؟‏ وأيما أفضل في إغماء هلال رمضان‏:‏ الصوم أم الفطر‏؟‏ أم يخير بينهما‏؟‏ أم يستحب فعل أحدهما‏؟‏ وهل ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أفعاله وأحواله وأقواله وحركاته وسكناته، وفي شأنه كله من العبادات والعادات، هل المواظبة على ذلك كله سنة في حق كل واحد من الأمة، أم يختلف بحسب اختلاف المراتب والراتبين‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏
فأجاب‏:‏
الحمد للَّه، هذه المسائل التي يقع فيها النزاع ـ مما يتعلق بصفات العبادات ـ أربعة أقسام‏:‏
منها‏:‏ ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن كل واحد من الأمرين، واتفقت الأمة على أن من فعل أحدهما لم يأثم بذلك‏.‏ لكن قد يتنازعون في الأفضل‏.‏ وهو بمنزلة القراءات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي اتفق الناس على جواز القراءة بأي قراءة شاء منها، كالقراءة المشهورة بين المسلمين، فهذه يقرأ المسلم بما شاء منها، وإن اختار بعضها لسبب من الأسباب‏.‏
ومن هذا الباب الاستفتاحات المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه كان يقولها في قيام الليل، وأنواع الأدعية التي كان يدعو بها في صلاته في آخر التشهد‏.‏ فهذه الأنواع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها سائغة باتفاق المسلمين، لكن ما أمر به من ذلك أفضل لنا مما فعله ولم يأمر به‏.‏
وقد ثبت في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا قعد أحدكم في التشهد فليستعذ باللَّه من أربع؛ يقول‏:‏ اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال‏)‏‏.‏ فالدعاء بهذا أفضل من الدعاء بقوله‏:‏ ‏(‏اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني‏.‏ أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت‏)‏‏.‏ وهذا ـ أيضًا ـ قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله في آخر صلاته، لكن الأول أمر به‏.‏
وما تنازع العلماء في وجوبه، فهو أوكد مما لم يأمر به ولم يتنازع العلماء في وجوبه‏.‏ وكذلك الدعاء الذي كان يكرره كثيرًا كقوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏102‏]‏، أوكد مما ليس كذلك‏.‏
القسم الثاني‏:‏ ما اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلا من الأمرين كانت عبادته صحيحة، ولا إثم عليه، لكن يتنازعون في الأفضل، وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله‏.‏ ومسألة القنوت في الفجر والوتر، والجهر بالبسملة، وصفة الاستعاذة ونحوها، من هذا الباب‏.‏ فإنهم متفقون على أن من جهر بالبسملة، صحت صلاته‏.‏ ومن خافت، صحت صلاته‏.‏ وعلي أن من قنت في الفجر، صحت صلاته‏.‏ ومن لم يقنت فيها، صحت صلاته‏.‏ وكذلك القنوت في الوتر‏.‏ وإنما تنازعوا في وجوب قراءة البسملة، وجمهورهم على أن قراءتها لا تجب‏.‏ وتنازعوا ـ أيضًا ـ في استحباب قراءتها‏.‏ وجمهورهم على أن قراءتها مستحبة‏.‏
وتنازعوا فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه، مثل أن يترك قراءة البسملة والمأموم يعتقد وجوبها‏.‏ أو يمس ذكره ولا يتوضأ، والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك‏.‏ أو يصلي في جلود الميتة المدبوغة، والمأموم يرى أن الدباغ لا يطهر‏.‏ أو يحتجم ولا يتوضأ والمأموم يرى الوضوء من الحجامة‏.‏ والصحيح المقطوع به أن صلاة المأموم صحيحة خلف إمامه، وإن كان إمامه مخطئا في نفس الأمر؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏يصلون لكم، فإن أصابوا، فلكم ولهم‏.‏ وإن أخطؤوا، فلكم وعليهم‏)‏ ‏.‏
وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر، قنت معه‏.‏ سواء قنت قبل الركوع، أو بعده‏.‏ وإن كان لا يقنت معه‏.‏
ولو كان الإمام يرى استحباب شيء، والمأمومون لا يستحبونه، فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف، كان قد أحسن‏.‏ مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال‏:‏
أحدها‏:‏ أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة، كالمغرب‏.‏ كقول من قاله من أهل العراق‏.‏
والثاني‏:‏ أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها، كقول من قال ذلك من أهل الحجاز‏.‏
والثالث‏:‏ أن الأمرين جائزان، كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو الصحيح‏.‏ وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله‏.‏ فلو كان الإمام يرى الفصل، فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب، فوافقهم على ذلك تأليفًا لقلوبهم، كان قد أحسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة‏:‏ ‏(‏لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لنقضت الكعبة، ولألصقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين، بابًا يدخل الناس منه، وبابًا يخرجون منه‏)‏ فترك الأفضل عنده؛ لئلا ينفر الناس‏.‏
وكذلك لو كـان رجـل يرى الجهر بالبسملة، فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم، كـان قـد أحـسن، وإنما تنازعـوا في الأفضل، فهو بحسب ما اعتقدوه من السنة‏.‏
وطائفة من أهل العراق اعتقدت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا شهرًا، ثم تركه على وجه النسخ له، فاعتقدوا أن القنوت في المكتوبات منسوخ‏.‏ وطائفة من أهل الحجاز اعتقدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم مـازال يقنـت حتى فـارق الدنيا‏.‏ ثم منهم من اعتقد أنه كان يقنت قبل الركوع، ومنهم من كان يعتقد أنه كان يقنت بعد الركــوع‏.‏ والصـواب هو ‏[‏القول الثالث‏]‏ الذي عليه جمهور أهل الحديث‏.‏ وكثير من أئمة أهل الحجاز، وهو الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما؛ أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم ترك هـــذا القنــوت، ثم إنه بعد ذلك بمدة ـ بعد خيبر، وبعد إسلام أبي هريرة ـ قنــت، وكان يقــول في قنوتـه‏:‏ ‏(‏اللهم، أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، والمستضعفــين من المؤمنين‏.‏ اللهم اشدد وطأتــك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف‏)‏‏.‏ فلو كان قد نسخ القنوت، لم يقنت هـذه المــرة الثانية‏.‏ وقد ثبـت عنـه في الصحيح أنه قنت في المغـرب، وفي العشـاء الآخرة‏.‏
وفي السنن أنه كان يقنت في الصلوات الخمس‏.‏وأكثر قنوتهكان في الفجر، ولم يكن يداوم على القنوت لا في الفجر ولا غيرها، بل قد ثبت في الصحيحين عن أنس أنه قال‏:‏ لم يقنت بعد الركوع إلا شهرًا، فالحديث الذي رواه الحاكم وغيره من حديث الربيع بن أنس عن أنس أنه قال‏:‏ مازال يقنت حتى فارق الدنيا، إنما قاله في سياقه القنوت قبل الركوع‏.‏ وهذا الحديث لو عارض الحديث الصحيح لم يلتفت إليه، فإن الربيع بن أنس ليس من رجال الصحيح، فكيف وهو لم يعارضه، وإنما معناه أنه كان يطيل القيام في الفجر دائما، قبل الركوع‏.‏
وأما أنه كان يدعو في الفجر دائمًا قبل الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه أو لا يسمع، فهذا باطل قطعًا‏.‏ وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة، علم هذا بالضرورة، وعلم أن هذا لو كان واقعًا، لنقله الصحابة والتابعون، ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا، مع أنهم نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه، وإنما يشرع نظيره‏.‏ فإن دعاءه لأولئك المعينين، وعلي أولئك المعينين، ليس بمشروع باتفاق المسلمين، بل إنما يشرع نظيره‏.‏ فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين، ويدعو على الكفار في الفجر، وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصاري بدعائه الذي فيه‏:‏ اللهم العن كفرة أهل الكتاب ‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏.‏
وكذلك على ـ رضي الله عنه ـ لما حارب قوما، قنت يدعو عليهم‏.‏ وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمي من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسنًا‏.‏
وأما قنوت الوتر، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال‏:‏ قيل‏:‏ لا يستحب بحال؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر‏.‏ وقيل‏:‏ بل يستحب في جميع السنة، كما ينقل عن ابن مسعود وغيره؛ ولأن في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن على ـ رضي الله عنهما ـ دعاء يدعو به في قنوت الوتر‏.‏ وقيل‏:‏ بل يقنت في النصف الأخير من رمضان‏.‏ كما كان أبي ابن كعب يفعل‏.‏
وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة، من شاء فعله، ومن شاء تركه‏.‏ كما يخير الرجل أن يوتر بثلاث، أو خمس، أو سبع، وكما يخير إذا أوتر بثلاث، إن شاء فصل، وإن شاء وصل‏.‏
وكذلك يخير في دعاء القنوت إن شاء فعله، وإن شاء تركه‏.‏ وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر، فقد أحسن‏.‏ وإن قنت في النصف الأخير، فقد أحسن‏.‏ وإن لم يقنت بحال فقد أحسن‏.‏
كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عددًا معينًا، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات‏.‏ فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب، كان يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث‏.‏ وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ‏.‏ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه، فقد أحسن‏.‏
والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها‏.‏ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه، فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين‏.‏ فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين‏.‏ وإن قام بأربعين وغيرها، جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك‏.‏ وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة، كأحمد وغيره‏.‏
ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه، فقد أخطأ، فإذا كانت هذه السعة في نفس عدد القيام، فكيف الظن بزيادة القيام لأجل دعاء القنوت أو تركه، كل ذلك سائغ حسن‏.‏ وقد ينشط الرجل فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة، وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها‏.‏
وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة‏.‏ إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود‏.‏ هكذا كان يفعل في المكتوبات، وقيام الليل، وصلاة الكسوف، وغير ذلك‏.‏

ملكة اليمن
Admin

المساهمات : 151
تاريخ التسجيل : 22/10/2010

https://maleka-al-yeman.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى